Admin Admin
المساهمات : 638 تاريخ التسجيل : 01/03/2012
| موضوع: المحررون الصحفيون ومعضلة البعد عن أصول المهنة الأربعاء يونيو 27, 2012 2:12 pm | |
| بشكل يومي تقريبا يأتي المركز الإعلامي في جامعة الدول العربية، حيث اقضي معظم وقتي هذه الأيام، صحفي ما بقصة جديدة...القصص المختلفة تلتقي تحت عنوان واحد تقريبا "الصراع بين المراسلين وديسك التحرير".
كنت في البداية انحاز كشخص عمل في ديسك التحرير كثيرا لزملائي المحررين، لكن بعد ثلاثة أشهر من عودتي للعمل كمندوب صحفي بعيدا عن التحرير باتت الصورة متباينة، فالآن أنا منحاز لحد ما للمراسلين، ليسوا لأنهم "أجروا عملية غسيل دماغ لي"، ولست لأني لم أعد أعشق التحرير، وأجل كثيرون من العاملين فيه، بل لأن المراسلين أثبتوا الكثير من الأخطاء الفاضحة والجسيمة لدى المحررين، بل أظهروا حجم الضرر الذي لحق بعلاقتهم ومصادرهم نتيجة تحجيم مواد بعيدا عن الأصول المهنية، أو الاجتهاد ووضع مقدمة جديدة غيرت الجوهر تماما، أو لتعمد المحرر عدم نشر مادة بسبب سوء العلاقات الشخصية.
كم كنت متحاملا قبل ثلاثة عشر عاما عندما عرض قسم الصحافة في جامعة النجاح الوطنية مساق الأخلاقيات الإعلامية، فاعتقدت في حينه أن هذه المادة ما هي إلا "دش كلام" ولا فائدة ترجى منها، ولكن اليوم، وفي ضوء ما يسمع ويرى ويلمس الفرد عادت الذاكرة تلقائيا للوراء ليقتنع الفرد بالأهمية البالغة لأخلاقيات المهنة، والأهم أن الخلاصة لدي اليوم أن أخلاقيات المهنة من أهم الضوابط التي يجب أن تحكم العمل الصحفي، بل بت أميل لضرورة وجود تقييم موضوعي للأداء بالاستناد للمواثيق الأخلاقية "مواثيق الشرف الصحفية".
وبالعودة لزملاء العمل من مراسلين ومندوبين صحفيين ومدراء مكاتب، فعدد منهم سألوني، ربما لاعتقادهم بأنني مصاب "بفيروس التحرير"، هل عندما كنت في دسك التحرير أو "دسك التخريب" كما فضل أحدهم تسميته قد نسيت بأنك كنت يوما مراسلا صحفيا؟، وهل كنت فعلا تقوم بدور الجلاد السادي الذي يتلذذ بتعذيب ضحاياه من المراسلين!!؟، وهل تعتبر المحرر أكفأ من الصحفي الميداني؟، ...إنها أسئلة مؤلمة، تظهر حجم الهوة الكبيرة بين المراسلين والمحررين في الكثير من المؤسسات الإعلامية، ولم أكن أرغب في سماعها، لكنها الحقيقة المرة التي لا يمكن نفيها.
أما بخصوص أجوبة التساؤلات، فأنا لم أنسى لحظة واحدة بأنني كنت صحفيا ميدانيا، لا بل كنت أحن لتلك الأيام، وهنا أود التأكيد أنه يوجد هناك من يعتبرون أنفسهم أساتذة في الفهم والإعلام، وما هم سوى معلمو نفاق وكذب، ولا يملكون سوى المقدرة على الدجل، ولا يعرفون أبجديات العمل الصحفي، ولذلك ليس غريبا بأن يتفننون بعدم نشر مواد هامة وصالحة للنشر، لا لشيء سوى ليظهروا أنهم موجودون، وبأنهم يملكون "سلطة اتخاذ القرار".
وبما يخص السادية وجلد الضحية، فأرفض بأن ينعت المحررون بذلك، ليس لأنني أنفي حدوث هذا، بل لأنها أخطاء تكون غالبا فردية، ومن يقومون بها إما يعانون من أمراض نفسية أو لديهم عقدة الشعور بالنقص، فلا يجوز إطلاقها كقاعدة عامة.
وردا على سؤال هل المحرر أكفأ من المراسل الصحفي؟، فالتجربة أظهرت أن هذا الاعتقاد غير صحيح إطلاقا، فكم وجدت مراسلين ميدانيين يتسم إنتاجهم بالإبداع واللغة السليمة، ويتميزون بسرعة البديهة والجرأة مقارنة مع محررين كثر.
وفي ضوء ما سبق لا بد من الإشارة إلى أن تعميق الفجوة بين المحررين والصحفيين سببها مسؤولو أو مدراء أقسام المراسلين والتحرير، فالأصل بأن يتم الاستماع لشكاوي المراسلين ومتابعتها، وكذلك شكاوي المحررين، ولو تم ذلك لما تفاقمت الأمور إلى هذا الحد، ولما تجرأ صحفي بأن ينتقد بصورة لاذعة متحاملا، أو للمحرر بأن يعتقد بأنه يملك مفتاح سحري أو انه من عمالقة الكون، وقد بلغ درجة من السمو تسمح له بعمل ما يريد، فلو وجدت مراجعة لما وجدنا محررين لمجرد حبهم للعبث في المواد، يحولون الصياغة من صحيحة نحويا وإملائيا إلى مادة مدمرة قواعديا، ومن مادة متسقة تتسم بالتسلسل المنطقي إلى مادة غير متناسقة.ولما وجدنا محررا يحرم مادة من الخروج إلى النور لمجرد أنه يكره كاتبها أو لأن كاتبها أقوى منه مهنيا أو لكونه أعلى منه علميا...
وللأسف الشديد نسمع كثيرا عن خطط لتطوير المؤسسات الإعلامية، وربما تكون هنالك جدية للبعض في ذلك، لكن سرعان ما يحبطون، وسرعانا ما تصبح الخطط صعبة التطبيق، لأن هنالك تيارا قويا تربطه المصالح غير معني بالتطوير، لأن التطوير الحقيقي بالضرورة سيوصل المؤهلين الأكفاء لمراكز صنع القرار، ومن هنا تبقى الأمور على حالها، بل ربما تزيد سوءا، والنتيجة في النهاية واحدة، مزيدا من الضحايا، فالترقيات تجري بناء على الواسطة والمحسوبية، والضحية الأكفاء والمؤسسة الإعلامية، ولذلك ليس من الصعوبة بأن يجد الفرد محررا أو سكرتير تحرير أو مدير تحرير أو أي مسؤول آخر في التحرير من "أساتذة" الفشل بالمؤسسة الصحفية في مختلف بلاد العالم الثالث. | |
|